السبت، 7 مايو 2011

حقوق الحدث الجانح بين القانون والواقع

                            حقوق الحدث الجانح بين القانون والواقع             
تشكل فئتي الشباب و الصغار أغلبية المجتمعات ، لذلك تولي القوانين الوضعية و الاتفاقيات الدولية اهتماما بالغا بفئة الأحداث ، باعتبارهم نواة المجتمع و أمل المستقبل.
ومن هذا المنطلق أوجد المشرع العماني كغيره من الدول العربية نظاما قانونيا خاصا بفئة الأحداث ؛ وذلك لحمايتهم وصيانة حقوقهم ، والأهم من ذلك لإصلاحهم و دمجهم في المجتمع ، حيث أصدر المشرع العماني قانون مساءلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30/2008.
والحدث هو :"كل ذكر وأنثى لم يكمل الثامنة عشر من عمره" و هناك عدة عوامل قد تؤدي إلى انحراف الأطفال عن السلوك المستقيم ، كمصاحبة أصدقاء السوء ، أو غياب التربية الدينية ، أو الاستعمال السيء للتقنيات الحديثة كالتلفزيون و الانترنت.
وعرّف المشرع العماني الحدث الجانح في المادة 1/د بأنه :" كل من بلغ التاسعة ولم يكمل الثامنة عشر وارتكب فعلا يعاقب عليه القانون "
و نظرا لصغر سن هؤلاء الأطفال ارتأت الدول أنه من غير المناسب فرض عقوبات عليهم كتلك العقوبات المفروضة على البالغين ، كما خُصصت دور إصلاح خاصة لإعادة تأهيلهم ، كما أن إجراءات التحقيق و إجراءات قضاء الأحداث مختلفة عن غيرها.
حيث تمر إجراءات التحقيق مع الحدث المنحرف بمرحلتين :
أولا : التحقيق لدى الشرطة
تمثل الشرطة نقطة الاتصال الأولى ، حيث أنها أول من تواجه الحدث- الطفل- عند ارتكابه للجريمة ، وبالتالي تعامل الشرطة مع الحدث قد يؤثر على نفسيته الهشة ، كذلك يجب أن تكون هذه الشرطة متفهمة لطبيعة الحدث و تكوينه و ظروفه و صغر سنه ، و عليه إذا تعاملت معه بشكل سيء قد يؤدي هذا إلى نتيجة سلبية و هي امتناع الحدث عن الاستجابة و الخضوع للسلطة ، لذلك فالشرطة غير مؤهلة للتعامل مع الحدث ، وإنما لابد من وجود شرطة مؤهلة للتعامل مع هذه الفئة . وبالفعل هذا ما نهجه المشرع العماني حيث خصص وحدة شرطة خاصة للتعامل مع الحدث وهي "وحدة شرطة الأحداث" ، كما أنه خصص دائرة لهذه الفئة في وزارة التنمية الاجتماعية و هي "دائرة شؤون الأحداث".
ولكن الواقع العملي عكس ذلك ، حيث انه لا يوجد للأسف شرطة مخصصة للتعامل مع الحدث الجانح  وإنما الشرطة العادية هي التي تتولى مهمة القبض على الأحداث المنحرفين وجمع المعلومات عن الجرائم التي ارتكبوها.
ثانيا : التحقيق لدى الادعاء العام
بعدما تقوم الشرطة بالقبض على الحدث الجانح مع باقي الإجراءات يأتي دور الادعاء العام ، وبناء على نص المادة 7 من قانون مساءلة الأحداث ، أنه لابد أن يكون أعضاء الادعاء العام على درجة من الكفاءة للتعامل مع الحدث ، و أن يتم تدريبهم و تأهيلهم بما يكفل كشف الحقيقة و بالتالي إصلاح الحدث . وحسنا فعل المشرع العماني مقارنة ببعض التشريعات التي لم تشترط أن يكون أعضاء الادعاء العام مخصصون و إنما يتولى ذلك الأعضاء الذين يباشرون الدعوى الجزائية التي يرتكبها البالغون ، و من حيث واقع السلطنة نجد أنها لا تختلف عن تلك التشريعات ن حيث انه لا يوجد أعضاء ادعاء عام مخصصون للتعامل فقط مع هذه الفئة ، وإنما الذي يتولى التحقيق في قضاياهم نفس أعضاء الادعاء العام الذين يتولون التحقيق في قضايا البالغين.
بعد إجراءات التحقيق يأتي دور القضاء ، حيث أن أهم ضمانة يمكن أن توفر للحدث أثناء المحاكمة مثوله بين يدي  قاضي متخصص للتعامل معه ، وهذا بالفعل ما نص عليه المشرع العماني في المادة (34) ، حيث أن جو المحكمة العادية وما يتسم من طابع الجدية و الانضباطية قد يؤثر على نفسية الحدث ،حيث قد يولد في نفسه الخوف و القلق و بالتالي لا يستطيع الحدث الإجابة على الأسئلة المطروحة عليه ، كما يؤدي الى صعوبة تذكره للتفاصيل ، لذا كان لابد من وجود قضاة مؤهلين للتعامل معهم.
ولكن لو نظرنا إلى القضاء العماني نجد أن القاضي الذي ينظر في دعاوى الأحداث هو ذات القاضي الذي ينظر في الدعوى الجزائية الأخرى.
بعد أن تثبت التهمة على الحدث يقضي القاضي بأحد تدابير الإصلاح التي تهدف إلى إصلاح الحدث و إعادة دمجه مع المجتمع ، ومنها إيداعه في دور الإصلاح ، والتي هي عبارة عن دوائر في مركز الشرطة و أقسام خاصة في السجن المركزي . ولكن أرى بأنه من الأفضل أن تكون هذه الدور في مبنى مستقل عن مركز الشرطة ، كما أنها ليست بتلك الكفاءة ، و بالتالي نتمنى أن تكون مزودة بأخصائيين مهمتهم متابعة أمور الأحداث مع القضاة ، كذلك إقامة صفوف تعليمية حسب الحاجة والضرورة.
و عليه من الملاحظ مما سبق بأن المشرع العماني لم يقصر في توفير الحقوق للحدث الجانح ، إلا أن المشكلة تكمن في السلطة المختصة الموكول لها مهمة تطبيق القانون ، لذلك نأمل من السلطة أن تسارع  في إيجاد حلول لهذه المشاكل لما في ذلك من دور يساعد على تنمية المجتمع العماني و القضاء على الجرائم التي يحتمل أن ترتكب من هذه الفئة في المستقبل .

بقلم: فاطمة محمد العبري
قانون شامل
راجعه الدكتور: مسعود المعمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق